کد مطلب:280412 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:263
الوصایا الاخیرة
سارت دعوة المسیح علیه السلام بین الصخور وبین القلوب القاسیة لتقیم حجتها، وعلی امتداد الطریق تعددت الأعداء، وتحالف
[ صفحه 166]
الیهود مع خصومهم من الهیرودسیین أنصار الملك هیرودس. لكی یمسكوا المسیح بكلمة تدینه أمام السلطة الرومانیة، یقول إنجیل مرقص أرسلوا إلیه بعضا من الفریسیین ومحازبی هیرودس لكی یوقعوه بكلمة یقولها. فجاؤوا وقالوا له: یا معلم نحن نعلم أنك صادق ولا تبالی بأحد لأنك لا تراعی مقامات الناس. بل تعلم طریق الله بالحق. أیحل أن تدفع الجزیة للقیصر أم لا؟ أندفعها أم لا ندفع؟ ولكنه إذ علم ریائهم قال لهم: لماذا تجربوننی؟ احضروا إلی دینارا لأراه، فأحضروا إلیه دینارا، فسألهم: لمن هذه الصورة وهذا النقش؟ فقالوا له: للقیصر. فرد علیهم قائلا: اعطوا ما للقیصر للقیصر وما لله لله. فذهلوا منه. [1] .
فلقد تظاهر جنود الملك بالتدین ودخلوا مع الفریسیین أشد فرق الیهود تعصبا فی دائرة واحدة، وانطلقوا إلی المسیح علیه السلام یحملون إلیه سؤالا یقوم علیه اقتصاد الدولة الرومانیة، وكانوا بهذا السؤال یریدون أن یوقعوا بالمسیح علیه السلام فی شباكهم لیسلموه إلی الحاكم. بحجة أنه یناهض النظام ویضرب اقتصاده فی مقتل، ولكن المسیح تفادی الصدام مع أصحاب القلوب القاسیة بالإجابة التی أذهلتهم.
وعلی هذا المنوال بدأت التحالفات بین الیهود وبین خصومهم لاصطیاد المسیح علیه السلام، وعندما ضاقت الحلقات، بدأ المسیح علیه السلام یخبر بالغیب عن ربه جلا وعلا. فحدث الیهود بما سیفعلوه للفتك به وكیف سینجیه الله من أیدیهم، وحدث التلامیذ بأنه سیبقی معهم وقتا قلیلا وإنهم لن یقدروا أن یذهبوا معه إلی حیث یذهب، وقال لهم إن عنده أمور كثیرة یرید أن یتحدث معهم فیها.
ولكن الوقت لن یسعفه لإتمام ذلك. وسوف یرسل الله إلیهم. المحمد.
[ صفحه 167]
أو المحمود. روح الحق الذی یرشد إلی الحق كله. لأنه لا یقول شیئا من عنده. بل یخبر بما یسمعه. وتفصیل أقوال المسیح للیهود وللتلامیذ بین دفتی الأناجیل.
فعندما اشتد صد الیهود عن سبیل الله. وبدأوا یعدون العدة للفتك بالمسیح. قال لهم المسیح أنا باق معكم وقتا قلیلا. ثم أعود إلی الذی أرسلنی. عندئذ تسعون فی طلبی ولا تجدوننی. ولا تقدرون أن تذهبوا إلی حیث أكون. [2] ومن الطبیعی أن الیهود لا یستطیعون الصعود إلی السماء. وبعد أن أخبر المسیح علیه السلام الیهود بأمور مستقبلیة. قال لتلامیذه یا أولادی الصغار. سأبقی عندكم وقتا قصیرا بعد. ثم تطلبوننی. ولكنی أقول لكم ما سبق أن قلته للیهود. إنكم لا تقدرون أن تأتوا حیث أنا ذاهب. وصیة جدیدة أنا أعطیكم. أحبوا بعضكم بعضا كما أحببتكم أنا. تحبون بعضكم بعضا. بهذا یعرف الجمیع إنكم تلامیذی إن كنتم تحبون بعضكم بعضا. فسأله سمعان بطرس: یا سید أین تذهب؟ أجابه یسوع: لا تقدر أن تتبعنی الآن حیث أذهب ولكنك ستتبعنی فیما بعد [3] أی أنه لن یقدر أن یتبعه فیما ستسفر عنه الأحداث. حیث ینتهی الأمر بكف الله أیدی الیهود عن المسیح.
ورفعه إلیه، وهذا معنی قوله لا تقدر أن تتبعنی الآن ثم أخبره بأنه سیتبعه فیما بعد فی الحیاة الأبدیة یوم القیامة. ولا یخلو النص من الإشادة بالاثنی عشر. ومعنی أن المسیح یحبهم ویأمرهم بحب بعضهم بعضا. أن طریق الخیانة مغلق علی هذا الدرب.
ویذكر القرآن الكریم. أن الله تعالی أخبر المسیح علیه السلام بعملیة الرفع التی تحدث بها مع الیهود ومع التلامیذ فیما بعد، قال
[ صفحه 168]
تعالی: (إذ قال الله یا عیسی إنی متوفیك ورافعك إلی ومطهرك من الذین كفروا وجاعل الذین اتبعوك فوق الذین كفروا إلی یوم القیامة). [4] قال المفسرون: المراد بالتوفی هنا النوم. كما قال تعالی (وهو الذی یتوفاكم باللیل). [5] وروی أن النبی (ص) كان یقول إذا قام من النوم الحمد لله الذی أحیانا بعد ما أماتنا. [6] والمراد بالرفع إلی الله: أی رفعه إلی السماء. إذ لا مكان لله من سنخ الأمكنة الجسمانیة، والآیة من قبیل قوله تعالی فی ذیل الآیة (ثم إلی مرجعكم)، فالمراد برفعه إلیه: رفعه بروحه وجسده حیا إلی السماء لأنها محل نزول البركات وسكن الملائكة المكرمین، ومعنی قوله (ومطهرك من الذین كفروا) أی: إبعاده من الكفار وصونه عن مخالطتهم والوقوع فی مجتمعهم المتقذر بقذارة الكفر والجحود، ومعنی قوله (وجاعل الذین اتبعوك فوق الذین كفروا إلی یوم القیامة) فالمراد باتباعه: هو الاتباع علی الحق. الاتباع المرضی لله سبحانه، وعلی ذلك یكون الذین اتبعوه هم الحواریین والمستقیمین من النصاری قبل ظهور الإسلام، كما أن المسلمین بعد ظهور الإسلام أتباعه علی الحق. قال فی المیزان: ومحصل الآیة. أن متبعیك من النصاری والمسلمین ستفوق حجتهم علی حجة الكافرین بك من الیهود إلی یوم ا لقیامة. [7] .
فبعد هذا البیان الوافی الشافی. بدأ المسیح علیه السلام یحدث الجمیع بما ستنتهی إلیه الأحداث. وأخبرهم بأنهم لن یقدروا أن یتبعوه حیث یذهب. وقال لتلامیذه أنهم سیتبعوه فیما بعد. سیتبعوه بالحجة الدامغة التی تفوق حجة الذین كفروا إلی یوم القیامة، ثم یتبعوه فی
[ صفحه 169]
الحیاة الأبدیة بعد أن یفصل الله بین عباده فیما كانوا فیه یختلفون.
ولأن معجزة الرفع إلی السماء سیكفر بها البعض وسیتأولها البعض الآخر ویضعها فی غیر موضعها. ولأنه علی طریق هذه المعجزة فتن عدیدة صنعها الیهود وتنتهی جمیعا إلی الدجال. فإن من عدل الله ورحمته أنه أقام الحجة داخل الحی الیهودی. فجاءهم المسیح بالعلم الذی یبین بدایة ونهایة المعجزة، لیهلك من هلك عن بینة ویحیی من حیی عن بینة، والله تعالی أوجب علی نفسه فتح الطریق لعباده وهدایتهم إلیه. وهو قوله تعالی: (وما كان الله لیضل قوما بعد إذ هداهم حتی یبین لهم ما یتقون إن الله بكل شئ علیم). [8] ولما كان الحواریون فی الصدارة من بعد المسیح. فلقد أخبرهم المسیح بأنهم سیشاهدون معجزة الرفع لیحدثوا الذین آمنوا بالحقیقة عندما یری الناس الشبیه علی الصلیب، وجاء فی إنجیل یوحنا أن المسیح قال للتلامیذ وهو یعدهم للقیام بالدعوة الحق الحق أقول لكم: إنكم سترون السماء مفتوحة.
وملائكة الله یصعدون وینزلون علی ابن الإنسان [9] فهذا النص یفید أنهم كانوا فی بعض الأوقات یشاهدون نزول الملائكة بالوحی علی امتداد البعثة، ثم شاهدوا معجزة الرفع التی تنسجم مع طریق نزول الوحی علی المسیح، لیردوا الوحی والرفع إلی قدرة الله تعالی وهم یبینون للناس حقیقة الأحداث التی تجری حولهم، فلا یسقط فی فتنتها إلا الذین صنعوا الفتن من القاسیة قلوبهم ومن شابههم.
وذكر الإنجیل أن المسیح بشر قبل رفعه (بالمعزی) الذی سیرسله الله لیشهد الشهادة الحق. التی یشهدها التلامیذ للمسیح. لتفوق حجتهم علی حجة الكافرین به إلی یوم القیامة، ذكر یوحنا أن المسیح
[ صفحه 170]
قال: وعندما یأتی المعزی.... روح الحق [10] فهو یؤدی إلی الشهادة وتؤدونها لی أنتم أیضا. لأنكم معی من البدایة، قلت لكم هذا لكی لا تتزعزعوا، ستطردون خارج المجامع. بل سیأتی وقت یظن فیه من یقتلكم أنه یؤدی خدمة لله. [11] قلت لكم هذا حتی متی جاء وقت حدوثه تذكرون أنه سبق أن أخبرتكم به. ولم أقل لكم هذا منذ البدایة لأنی كنت معكم. أما الآن فإنی عائد إلی الذی أرسلنی ولا أحد منكم یسألنی: أین تذهب؟ عندما أخبرتكم بهذا ملأ الحزن قلوبكم. ولكنی أقول لكم الحق: من الأفضل لكم أن أذهب. لأنی إن كنت لا أذهب.
لا یأتیكم المعزی... وعندما یجئ یقدم للعالم البرهان علی الخطیئة وعلی البر وعلی الدینونة [12] ما زال عندی أمور كثیرة أقولها لكم.
ولكنكم الآن تعجزون عن احتمالها. ولكن عندما یأتیكم روح الحق.
یرشدكم إلی الحق كله. لأنه لا یقول شیئا من عنده. بل یخبركم بما یسمعه. ویطلعكم علی ما سوف یحدث. [13] .
و (المعزی) الذی بشر به المسیح قبل رفعه إلی السماء، ترجمة للكلمة الإغریقیة البارقلیط ومعناها فی قاموس اللغة الیونانیة:
المعزی. المحامی. الشفیع. المحمد. المحمود وورد اسم بار قلیط. فارقلیط. باراكلیت. والمعزی. والمحامی. والمؤید، فی تراجم إنجیل یوحنا. ویقول الدكتور / حجازی السقا: والحق أن المسیح نطق لفظ بیرقلیط وهو یترجم: أحمد. ویقول النصاری أن المسیح نطق باراقلیط وعلی ذلك فلیس هو أحمد. أی أن الخلاف فی الكسرة والفتحة. فعلی الكسرة یكون اسم أحمد. وعلی الفتحة لا یكون اسم
[ صفحه 171]
أحمد. بل صفته هی المعزی. وهم یعتمدون روایة الفتحة. ثم قدم الدكتور حجازی السقا الدلیل علی أن بیریكلیت اسم والاسم هو أحمد.
فمن أراد الوقوف علی هذا البحث فعلیه بمصدره. [14] .
لقد بشرهم عیسی علیه السلام بالمعزی. أو بالمحامی الذی یدافع عن الفطرة ویشهد الشهادة الحق فی أحداث یعجزون عن احتمالها. وعندما بعث النبی الخاتم صلی الله علیه وآله وسلم قال أنا أولی الناس بعیسی بن مریم فی الأولی والآخرة [15] وقال أنا أولی الناس بابن مریم. الأنبیاء أولاد علات. ولیس بینی وبینه نبی [16] وفی لسان العرب فی معنی أولاد علات أی إنهم لأمهات مختلفة ودینهم واحد.
وبنو العلات: بنو رجل واحد من أمهات شتی. [17] .
وبشرهم المسیح بالمعزی أو بأحمد أو بالمحمود أو بالشفیع روح الحق. الذی یرشدهم إلی الحق كله. لأنه لا یقول شیئا من عنده. فما من شفیع إلا بعد إذن الله تعالی. قال تعالی: (ما من شفیع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه). [18] وقال: (من ذا الذی یشفع عنده إلا بإذنه). [19] وقال: (ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له). [20] و قال:
(لا یملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا. وقالوا اتخذ الله ولدا. لقد جئتم شیئا إدا. تكاد السماوات یتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا. إن دعوا للرحمن ولدا. وما ینبغی للرحمن أن یتخذ
[ صفحه 172]
ولدا. إن كل من فی السماوات والأرض إلا أتی الرحمن عبدا. لقد أحصاهم وعدهم عدا. وكلهم آتیه یوم القیامة فردا. إن الذین آمنوا وعملوا الصالحات سیجعل لهم الرحمن ودا. فإنما یسرنا ه بلسانك لتبشر به المتقین وتنذر به قوما لدا. وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا). [21] .
وبعد أن بشرهم المسیح علیه السلام. رفع عینیه نحو السماء وقال أنا مجدتك علی الأرض وأنجزت العمل الذی كلفتنی [22] أظهرت اسمك للناس الذین وهبتهم لی من العالم. كانوا لك فوهبتهم لی، وقد عملوا بكلمتك وعرفوا الآن أن كل ما وهبته لی فهو منك. لأنی نقلت إلیهم الوصایا التی أوصیتنی بها فقبلوها.. وآمنوا إنك أرسلتنی من أجل هؤلاء أصلی إلیك. [23] .
وبتحذیر المسیح من الذین یدعون النبوة. وبتبشیره بروح الحق الذی یرسله الله إلی العالم قبل یوم القیامة. تنتهی دعوة المسیح علیه السلام فی بنی إسرائیل. وإذا كان العهد القدیم قد انتهی بتبشیر ملاخی هانذا أرسل إلیكم إیلیا النبی قیل یوم الرب الیوم العظیم المخوف.
فیرد قلب الآباء علی الأبناء وقلب الأبناء علی آبائهم لئلا آتی وأخرب الأرض بلعن [24] فإن العهد الجدید انتهت آخر بشاراته بالمعزی فأخبرهم المسیح علیه السلام بأن المعزی سیطلعهم علی ما سوف یحدث.
وعندما بعث النبی الخاتم صلی الله علیه وآله وسلم قال له تعالی: (إن الذین یكتمون ما أنزلنا من البینات والهدی من بعد ما بیناه للناس فی
[ صفحه 173]
الكتاب أولئك یلعنهم الله ویلعنهم اللاعنون) [25] وقال: (ألم تر إلی الذین أوتوا نصیبا من الكتاب یؤمنون بالجبت والطاغوت ویقولون للذین كفروا هؤلاء أهدی من الذین آمنوا سبیلا. أولئك الذین لعنهم الله ومن یلعن الله فلن تجد له نصیرا). [26] إلی آخر هذه الآیات التی ضرب الله فیها الكافرین والظالمین بلعن. بعد أن كفروا وكذبوا واستكبروا ولم یؤمنوا بالبعثة الخاتمة. التی جعلها الله تعالی رحمة للعالمین، وروی عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم والذی نفس محمد بیده لا یسمع بی أحد من هذه الأمة. یهودی أو نصرانی. ثم یموت ولم یؤمن بالذی أرسلت به.
إلا كان من أصحاب النار. [27] .
[ صفحه 166]
الیهود مع خصومهم من الهیرودسیین أنصار الملك هیرودس. لكی یمسكوا المسیح بكلمة تدینه أمام السلطة الرومانیة، یقول إنجیل مرقص أرسلوا إلیه بعضا من الفریسیین ومحازبی هیرودس لكی یوقعوه بكلمة یقولها. فجاؤوا وقالوا له: یا معلم نحن نعلم أنك صادق ولا تبالی بأحد لأنك لا تراعی مقامات الناس. بل تعلم طریق الله بالحق. أیحل أن تدفع الجزیة للقیصر أم لا؟ أندفعها أم لا ندفع؟ ولكنه إذ علم ریائهم قال لهم: لماذا تجربوننی؟ احضروا إلی دینارا لأراه، فأحضروا إلیه دینارا، فسألهم: لمن هذه الصورة وهذا النقش؟ فقالوا له: للقیصر. فرد علیهم قائلا: اعطوا ما للقیصر للقیصر وما لله لله. فذهلوا منه. [1] .
فلقد تظاهر جنود الملك بالتدین ودخلوا مع الفریسیین أشد فرق الیهود تعصبا فی دائرة واحدة، وانطلقوا إلی المسیح علیه السلام یحملون إلیه سؤالا یقوم علیه اقتصاد الدولة الرومانیة، وكانوا بهذا السؤال یریدون أن یوقعوا بالمسیح علیه السلام فی شباكهم لیسلموه إلی الحاكم. بحجة أنه یناهض النظام ویضرب اقتصاده فی مقتل، ولكن المسیح تفادی الصدام مع أصحاب القلوب القاسیة بالإجابة التی أذهلتهم.
وعلی هذا المنوال بدأت التحالفات بین الیهود وبین خصومهم لاصطیاد المسیح علیه السلام، وعندما ضاقت الحلقات، بدأ المسیح علیه السلام یخبر بالغیب عن ربه جلا وعلا. فحدث الیهود بما سیفعلوه للفتك به وكیف سینجیه الله من أیدیهم، وحدث التلامیذ بأنه سیبقی معهم وقتا قلیلا وإنهم لن یقدروا أن یذهبوا معه إلی حیث یذهب، وقال لهم إن عنده أمور كثیرة یرید أن یتحدث معهم فیها.
ولكن الوقت لن یسعفه لإتمام ذلك. وسوف یرسل الله إلیهم. المحمد.
[ صفحه 167]
أو المحمود. روح الحق الذی یرشد إلی الحق كله. لأنه لا یقول شیئا من عنده. بل یخبر بما یسمعه. وتفصیل أقوال المسیح للیهود وللتلامیذ بین دفتی الأناجیل.
فعندما اشتد صد الیهود عن سبیل الله. وبدأوا یعدون العدة للفتك بالمسیح. قال لهم المسیح أنا باق معكم وقتا قلیلا. ثم أعود إلی الذی أرسلنی. عندئذ تسعون فی طلبی ولا تجدوننی. ولا تقدرون أن تذهبوا إلی حیث أكون. [2] ومن الطبیعی أن الیهود لا یستطیعون الصعود إلی السماء. وبعد أن أخبر المسیح علیه السلام الیهود بأمور مستقبلیة. قال لتلامیذه یا أولادی الصغار. سأبقی عندكم وقتا قصیرا بعد. ثم تطلبوننی. ولكنی أقول لكم ما سبق أن قلته للیهود. إنكم لا تقدرون أن تأتوا حیث أنا ذاهب. وصیة جدیدة أنا أعطیكم. أحبوا بعضكم بعضا كما أحببتكم أنا. تحبون بعضكم بعضا. بهذا یعرف الجمیع إنكم تلامیذی إن كنتم تحبون بعضكم بعضا. فسأله سمعان بطرس: یا سید أین تذهب؟ أجابه یسوع: لا تقدر أن تتبعنی الآن حیث أذهب ولكنك ستتبعنی فیما بعد [3] أی أنه لن یقدر أن یتبعه فیما ستسفر عنه الأحداث. حیث ینتهی الأمر بكف الله أیدی الیهود عن المسیح.
ورفعه إلیه، وهذا معنی قوله لا تقدر أن تتبعنی الآن ثم أخبره بأنه سیتبعه فیما بعد فی الحیاة الأبدیة یوم القیامة. ولا یخلو النص من الإشادة بالاثنی عشر. ومعنی أن المسیح یحبهم ویأمرهم بحب بعضهم بعضا. أن طریق الخیانة مغلق علی هذا الدرب.
ویذكر القرآن الكریم. أن الله تعالی أخبر المسیح علیه السلام بعملیة الرفع التی تحدث بها مع الیهود ومع التلامیذ فیما بعد، قال
[ صفحه 168]
تعالی: (إذ قال الله یا عیسی إنی متوفیك ورافعك إلی ومطهرك من الذین كفروا وجاعل الذین اتبعوك فوق الذین كفروا إلی یوم القیامة). [4] قال المفسرون: المراد بالتوفی هنا النوم. كما قال تعالی (وهو الذی یتوفاكم باللیل). [5] وروی أن النبی (ص) كان یقول إذا قام من النوم الحمد لله الذی أحیانا بعد ما أماتنا. [6] والمراد بالرفع إلی الله: أی رفعه إلی السماء. إذ لا مكان لله من سنخ الأمكنة الجسمانیة، والآیة من قبیل قوله تعالی فی ذیل الآیة (ثم إلی مرجعكم)، فالمراد برفعه إلیه: رفعه بروحه وجسده حیا إلی السماء لأنها محل نزول البركات وسكن الملائكة المكرمین، ومعنی قوله (ومطهرك من الذین كفروا) أی: إبعاده من الكفار وصونه عن مخالطتهم والوقوع فی مجتمعهم المتقذر بقذارة الكفر والجحود، ومعنی قوله (وجاعل الذین اتبعوك فوق الذین كفروا إلی یوم القیامة) فالمراد باتباعه: هو الاتباع علی الحق. الاتباع المرضی لله سبحانه، وعلی ذلك یكون الذین اتبعوه هم الحواریین والمستقیمین من النصاری قبل ظهور الإسلام، كما أن المسلمین بعد ظهور الإسلام أتباعه علی الحق. قال فی المیزان: ومحصل الآیة. أن متبعیك من النصاری والمسلمین ستفوق حجتهم علی حجة الكافرین بك من الیهود إلی یوم ا لقیامة. [7] .
فبعد هذا البیان الوافی الشافی. بدأ المسیح علیه السلام یحدث الجمیع بما ستنتهی إلیه الأحداث. وأخبرهم بأنهم لن یقدروا أن یتبعوه حیث یذهب. وقال لتلامیذه أنهم سیتبعوه فیما بعد. سیتبعوه بالحجة الدامغة التی تفوق حجة الذین كفروا إلی یوم القیامة، ثم یتبعوه فی
[ صفحه 169]
الحیاة الأبدیة بعد أن یفصل الله بین عباده فیما كانوا فیه یختلفون.
ولأن معجزة الرفع إلی السماء سیكفر بها البعض وسیتأولها البعض الآخر ویضعها فی غیر موضعها. ولأنه علی طریق هذه المعجزة فتن عدیدة صنعها الیهود وتنتهی جمیعا إلی الدجال. فإن من عدل الله ورحمته أنه أقام الحجة داخل الحی الیهودی. فجاءهم المسیح بالعلم الذی یبین بدایة ونهایة المعجزة، لیهلك من هلك عن بینة ویحیی من حیی عن بینة، والله تعالی أوجب علی نفسه فتح الطریق لعباده وهدایتهم إلیه. وهو قوله تعالی: (وما كان الله لیضل قوما بعد إذ هداهم حتی یبین لهم ما یتقون إن الله بكل شئ علیم). [8] ولما كان الحواریون فی الصدارة من بعد المسیح. فلقد أخبرهم المسیح بأنهم سیشاهدون معجزة الرفع لیحدثوا الذین آمنوا بالحقیقة عندما یری الناس الشبیه علی الصلیب، وجاء فی إنجیل یوحنا أن المسیح قال للتلامیذ وهو یعدهم للقیام بالدعوة الحق الحق أقول لكم: إنكم سترون السماء مفتوحة.
وملائكة الله یصعدون وینزلون علی ابن الإنسان [9] فهذا النص یفید أنهم كانوا فی بعض الأوقات یشاهدون نزول الملائكة بالوحی علی امتداد البعثة، ثم شاهدوا معجزة الرفع التی تنسجم مع طریق نزول الوحی علی المسیح، لیردوا الوحی والرفع إلی قدرة الله تعالی وهم یبینون للناس حقیقة الأحداث التی تجری حولهم، فلا یسقط فی فتنتها إلا الذین صنعوا الفتن من القاسیة قلوبهم ومن شابههم.
وذكر الإنجیل أن المسیح بشر قبل رفعه (بالمعزی) الذی سیرسله الله لیشهد الشهادة الحق. التی یشهدها التلامیذ للمسیح. لتفوق حجتهم علی حجة الكافرین به إلی یوم القیامة، ذكر یوحنا أن المسیح
[ صفحه 170]
قال: وعندما یأتی المعزی.... روح الحق [10] فهو یؤدی إلی الشهادة وتؤدونها لی أنتم أیضا. لأنكم معی من البدایة، قلت لكم هذا لكی لا تتزعزعوا، ستطردون خارج المجامع. بل سیأتی وقت یظن فیه من یقتلكم أنه یؤدی خدمة لله. [11] قلت لكم هذا حتی متی جاء وقت حدوثه تذكرون أنه سبق أن أخبرتكم به. ولم أقل لكم هذا منذ البدایة لأنی كنت معكم. أما الآن فإنی عائد إلی الذی أرسلنی ولا أحد منكم یسألنی: أین تذهب؟ عندما أخبرتكم بهذا ملأ الحزن قلوبكم. ولكنی أقول لكم الحق: من الأفضل لكم أن أذهب. لأنی إن كنت لا أذهب.
لا یأتیكم المعزی... وعندما یجئ یقدم للعالم البرهان علی الخطیئة وعلی البر وعلی الدینونة [12] ما زال عندی أمور كثیرة أقولها لكم.
ولكنكم الآن تعجزون عن احتمالها. ولكن عندما یأتیكم روح الحق.
یرشدكم إلی الحق كله. لأنه لا یقول شیئا من عنده. بل یخبركم بما یسمعه. ویطلعكم علی ما سوف یحدث. [13] .
و (المعزی) الذی بشر به المسیح قبل رفعه إلی السماء، ترجمة للكلمة الإغریقیة البارقلیط ومعناها فی قاموس اللغة الیونانیة:
المعزی. المحامی. الشفیع. المحمد. المحمود وورد اسم بار قلیط. فارقلیط. باراكلیت. والمعزی. والمحامی. والمؤید، فی تراجم إنجیل یوحنا. ویقول الدكتور / حجازی السقا: والحق أن المسیح نطق لفظ بیرقلیط وهو یترجم: أحمد. ویقول النصاری أن المسیح نطق باراقلیط وعلی ذلك فلیس هو أحمد. أی أن الخلاف فی الكسرة والفتحة. فعلی الكسرة یكون اسم أحمد. وعلی الفتحة لا یكون اسم
[ صفحه 171]
أحمد. بل صفته هی المعزی. وهم یعتمدون روایة الفتحة. ثم قدم الدكتور حجازی السقا الدلیل علی أن بیریكلیت اسم والاسم هو أحمد.
فمن أراد الوقوف علی هذا البحث فعلیه بمصدره. [14] .
لقد بشرهم عیسی علیه السلام بالمعزی. أو بالمحامی الذی یدافع عن الفطرة ویشهد الشهادة الحق فی أحداث یعجزون عن احتمالها. وعندما بعث النبی الخاتم صلی الله علیه وآله وسلم قال أنا أولی الناس بعیسی بن مریم فی الأولی والآخرة [15] وقال أنا أولی الناس بابن مریم. الأنبیاء أولاد علات. ولیس بینی وبینه نبی [16] وفی لسان العرب فی معنی أولاد علات أی إنهم لأمهات مختلفة ودینهم واحد.
وبنو العلات: بنو رجل واحد من أمهات شتی. [17] .
وبشرهم المسیح بالمعزی أو بأحمد أو بالمحمود أو بالشفیع روح الحق. الذی یرشدهم إلی الحق كله. لأنه لا یقول شیئا من عنده. فما من شفیع إلا بعد إذن الله تعالی. قال تعالی: (ما من شفیع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه). [18] وقال: (من ذا الذی یشفع عنده إلا بإذنه). [19] وقال: (ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له). [20] و قال:
(لا یملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا. وقالوا اتخذ الله ولدا. لقد جئتم شیئا إدا. تكاد السماوات یتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا. إن دعوا للرحمن ولدا. وما ینبغی للرحمن أن یتخذ
[ صفحه 172]
ولدا. إن كل من فی السماوات والأرض إلا أتی الرحمن عبدا. لقد أحصاهم وعدهم عدا. وكلهم آتیه یوم القیامة فردا. إن الذین آمنوا وعملوا الصالحات سیجعل لهم الرحمن ودا. فإنما یسرنا ه بلسانك لتبشر به المتقین وتنذر به قوما لدا. وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا). [21] .
وبعد أن بشرهم المسیح علیه السلام. رفع عینیه نحو السماء وقال أنا مجدتك علی الأرض وأنجزت العمل الذی كلفتنی [22] أظهرت اسمك للناس الذین وهبتهم لی من العالم. كانوا لك فوهبتهم لی، وقد عملوا بكلمتك وعرفوا الآن أن كل ما وهبته لی فهو منك. لأنی نقلت إلیهم الوصایا التی أوصیتنی بها فقبلوها.. وآمنوا إنك أرسلتنی من أجل هؤلاء أصلی إلیك. [23] .
وبتحذیر المسیح من الذین یدعون النبوة. وبتبشیره بروح الحق الذی یرسله الله إلی العالم قبل یوم القیامة. تنتهی دعوة المسیح علیه السلام فی بنی إسرائیل. وإذا كان العهد القدیم قد انتهی بتبشیر ملاخی هانذا أرسل إلیكم إیلیا النبی قیل یوم الرب الیوم العظیم المخوف.
فیرد قلب الآباء علی الأبناء وقلب الأبناء علی آبائهم لئلا آتی وأخرب الأرض بلعن [24] فإن العهد الجدید انتهت آخر بشاراته بالمعزی فأخبرهم المسیح علیه السلام بأن المعزی سیطلعهم علی ما سوف یحدث.
وعندما بعث النبی الخاتم صلی الله علیه وآله وسلم قال له تعالی: (إن الذین یكتمون ما أنزلنا من البینات والهدی من بعد ما بیناه للناس فی
[ صفحه 173]
الكتاب أولئك یلعنهم الله ویلعنهم اللاعنون) [25] وقال: (ألم تر إلی الذین أوتوا نصیبا من الكتاب یؤمنون بالجبت والطاغوت ویقولون للذین كفروا هؤلاء أهدی من الذین آمنوا سبیلا. أولئك الذین لعنهم الله ومن یلعن الله فلن تجد له نصیرا). [26] إلی آخر هذه الآیات التی ضرب الله فیها الكافرین والظالمین بلعن. بعد أن كفروا وكذبوا واستكبروا ولم یؤمنوا بالبعثة الخاتمة. التی جعلها الله تعالی رحمة للعالمین، وروی عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم والذی نفس محمد بیده لا یسمع بی أحد من هذه الأمة. یهودی أو نصرانی. ثم یموت ولم یؤمن بالذی أرسلت به.
إلا كان من أصحاب النار. [27] .
[1] مرقص 12 / 13 - 17.
[2] إنجيل يوحنا 7 / 34.
[3] إنجيل يوحنا 13 / 34 - 36.
[4] سورة آل عمران آية 55.
[5] سورة الأنعام آية 60.
[6] تفسير ابن كثير 366 / 1.
[7] الميزان 208 / 3.
[8] سورة التوبة آية 115.
[9] إنجيل يوحنا 1 / 51.
[10] المصدر السابق 15 / 26.
[11] المصدر السابق 16 / 1 - 3.
[12] المصدر السابق 16 / 4 - 9.
[13] المصدر السابق 16 / 12.
[14] أنظر كتاب نقد التوراة / د. حجازي السقا ص 207 وما بعدها.
[15] رواه مسلم (الصحيح 96 / 7).
[16] رواه مسلم (الصحيح 96 / 7).
[17] لسان العرب مادة علل ص 3080.
[18] سورة يونس آية 3.
[19] سورة البقرة آية 255.
[20] سورة سبأ آية 23.
[21] سورة مريم آية 87.
[22] يوحنا 17 / 5.
[23] استثني النص يهوذا. ولقد بينا أن الخائن لا وجود له في نصوص أخري.
[24] ملاخي 4 / 5 - 6.
[25] سورة البقرة آية 159.
[26] سورة النساء آية 51.
[27] رواه مسلم (الصحيح 93 / 1).